للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصه، بل نذكر الغرض منه، وهو أنه قال له رسول الله: "أمسك عليك هذا"، وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به? فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ!، وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم".

فقوله: "حصائد ألسنتهم" من تشبيه المركب بالمركب، فإنه شبه الأسنة وما تمضي فيه من الأحاديث التي يؤاخذ بها بالمناجل التي تحصد النبات من الأرض.

ومما ورد منه شعرًا قول أبي تمام١:

معشر أصبحوا حصون المعالي ... ودروع الأحساب والأعراض

فقوله: "حصون المعالي" من التشبيه المركب، وذاك أنه شبههم في منعهم المعالي أن ينالها أحد سواهم بالحصون في منعها من بها وحمايته، وكذلك قوله: "دروع الأحساب".

وأما المظهر الأداة فمما جاء منه قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} ٢.

فشبهت حال الدنيا في سرعة زوالها، وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطامًا بعدما التف وتكاثف، وزين الأرض.

وذاك تشبيه صورة بصورة، وهو من أبدع ما يجيء في بابه.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى في وصف حال المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} ٣.


١ ديوان أبي تمام ١٨٨ من قصيدة له في مدح أحمد بن أبي دؤاد ومطلعها:
بدلت عبرة من الأيماضن ... يوم شدوا الرحل بالأغراض
٢ سورة يونس: الآية ٢٤.
٣ سورة البقرة: الآية ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>