للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما استتم الأبيات قال له: لقد ظلمك من ناواك، وتخلف عنك من جاراك، وحرامٌ على أحدٍ يتفوه بقول الشعر بعدك!

فقال أبو نواس: وأنت أيضًا يا أبا الفضل تقول هذا? ألست القائل:

لا جزى الله دمع عيني خيرًا

وأنشد الأبيات، ثم قال: ومن الذي يحسن أن يقول مثل هذا?

ومن تشبيه المركب بالمركب قول البحتري١:

جدةٌ يذود البخل عن أطرافها ... كالبحر يمنع ملحه عن مائه

وهذا من محاسن التشبيهات.

وكذلك ورد قوله٢:

وتراه في ظلم الوغى فتخاله ... قمرًا يكر على الرجال بكوكب

وفي هذا البيت ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء، فإنه شبه العجاج بالظلمة، والممدوح بالقمر، والسنان بالكوكب، وهذا من الحسن النادر.

وكذلك ورد قوله٣:

يمشون في زغفٍ كأن متونها ... في كل معركةٍ متون نهاء٤

بيضٌ تسيل على الكماة نصولها ... سيل السراب بقفرةٍ بيداء٥


١ ديوان البحتري ٢-٤٠ من قصيدة له في مدح يوسف بن محمد، أولها:
يا غاديا والثغر خلف مسائه ... يصل السرى بأصيله وضحائه
٢ ديوانه ٢/ ١٣٤ من قصيدة يمدح فيها مالك بن طوق، مطلعها:
رحلوا فأية عبرة لم تكسب ... أسفا؟ وأي عزيمة لم تلغب؟
ورواية الديوان: "قمرا يشد على الرجال".
٣ ديوان ٢/ ٢٢٧ من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد يوسف، ومطلعها:
زعم الغراب منبئ الأنباء ... أن الأحبة آذنوا بتناء
٤ الزغف اسم جنس جمعي واحدة زغفة، وهي الدرع، والنهاء جمع نهى بكسر فسكون، وهو الغدير.
٥ رواية الديوان، بيض تسيل على الكماة فضولها، وهي أجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>