للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ما الماء واقعها ... أظهرت شكلًا من الغزل

لؤلؤات ينحدرن بها ... كانحدار الذر من جبل١

فشبه الحبب في انحداره بنمل صغار ينحدر من جبل، وهذا من البعد على غاية لا يحتاج إلى بيان وإيضاح.

واعلم أن من التشبيه ضربًا يسمى "الطرد والعكس"، وهو أن يجعل المشبه به مشبهًا والمشبه مشبهًا به، وبعضهم يسميه "غلبة الفروع على الأصول٢"، ولا تجد٣ شيئًا من ذلك إلا والغرض به المبالغة، فمما جاء من ذلك قول ذي الرمة٤:

ورملٍ كأرداف العذارى قطعته ... إذا ألبسته المظلمات الحنادس٥

ألا ترى إلى ذي الرمة٦ كيف جعل الأصل فرعًا، والفرع أصلًا? وذاك أن العادة والعرف في هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء٧، وهو مطرد في بابه، فعكس


١ رواية الديوان في الشطر الثاني هكذا:
كانحدار الدمع في عجل
ولا معنى لاعتراض المؤلف على هذه الرواية.
٢ انظر الخصائص لابن جني ١/ ٣٠٨، وقد نقل ابن الأثير كلامه كما ترى.
٣ في الخصائص "ولا تكاد تجد" قال ابن جني: هذا فصل من فصول العربية ظريف تجده في معاني العرب كما تجده في معاني أأعراب، ولا تكاد تجد ... إلخ.
٤ هو غيلان بن عقبة بن نهيس، من مضر، ومن الشعراء المتيمين وصاحبته من بنت مقاتل المنقري، كان كثير المدح لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وقيل: إنه استسقى مرة فخرجت له" مية"، وكانت بارعة الجمال، وكان على كتفه رمة -قطعة حبل بالية- فقالت له: اشرب يا ذا الرمة، فلزمته هذه الكنية منذ ذلك، ولزمه حب مية من هذه النظرة.
٥ من قصيدة لذي الرمة مطلعها:
ألم تسأل اليوم الرسوم الدوارس ... بحزوى؟ وهل تدري القفار البسابس؟
٦ في الخصائص "أفلا ترى ذا الرمة"، وقد تصرف ابن الأثير في كثير من المواضع في هذا النصر.
٧ الأنقاء جمع نقا، وهو الرمل القعة تنقاد محدودبة، وهما نقوان ونقيان، والجمع أنقاء ونقى "بضم فكسر".

<<  <  ج: ص:  >  >>