للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن التشبيهات الباردة قول أبي الطيب المتنبي١:

وجرى على الورق النجيع القاني٢ ... فكأنه النارنج في الأغصان

وهذا تشبيه ينكره أهل التجسيم، وإذا قسمت التشبيهات بين البعد، والبرد حاز طرفي ذلك التقسيم.

وأبشع من هذا قول أبي نواس٣ في الخمر:

كأن بواسار٤ رواكد حولها ... وزرق سنانيرٍ تدير عيونها

والعجب أنه يقول مثل هذا الغث الذي لا ملاءمة بينه، وبين ما شبه به، ويقرنه بالبديع الذي أحسن فيه وأبدع، وهو:

كأنا حلولٌ بين أكناف روضةٍ ... إذا ما سلبناها مع الليل طينها

فانظر كيف قرن بين ورده وسعدانه، لا بل بين بعرة ومرجانة.

وقد أكثر في تشبيه الخمر، فأحسن في موضع وأساء في موضع، ومن إساءته قوله أيضًا في أبيات لامية٥:


١ ديوان المتنبي ٤/ ١٨٤ من قصيدة له في مدح سيف الدولة، أولها:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
٢ النجيع الدم، والقاني الأحمر الشديد الحمرة.
٣ لم أجد هذا البيت والبيت الذي بعده في ديوان أبي نواس، ولعلهما من جملة الأبيات التي وردت في ديوانه "٣٤٩"، وهي:
أأدميت بالماء القراح جبينها ... يسمع في صحن الزجاج أنينها
فقد سمعت أذناك عند مزاجها ... أنينا وألحانا تجيب دنينها
فصنها عن الماء القراح وهاتها ... فإنك إن لم تسقني مت دونها
بآنية مخروطة من زبرجد ... تخير كسرى خرطها ليصونها
بكف تكاد الكأس تدمي بنانها ... إذا أزعج التحريك منها سكونها
كأن رجال الهند حول إناثها ... عكوف على خيل تدير متونها
٤ هكذا في الأصل، ولم أقف لهذه الكلمة على معنى، ولكني رأيت في القاموس "١/ ٣٨٢" أن البياسرة جبل بالسند تستأجرهم النواخذة لمحاربة العدو الواحد بيسرى، والنواخذة هم أهل السفن، فعل البواسار منها، ويرجع هذا ذكره "رجال الهند" في آخر أبيات الديوان المذكورة في الهامش السابق.
٥ ديوان أبي نواس ٣١٧ من قصيدة أولها:
يا مبيح الدمع في الطلل ... راكب منه إلى أمل

<<  <  ج: ص:  >  >>