للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توكيد المتصل بالمنفصل:

وأما توكيد المتصل بالمنفصل، فنحو قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ١، فتوكيد الضميرين ههنا في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ، أنفى للخوف من قلب موسى، وأثبت في نفسه للغلبة والقهر، ولو قال: "لا تخف إنك الأعلى" أو"فأنت الأعلى" لم يكن له من التقرير، والإثبات لنفي الخوف ما لقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} .

وفي هذه الكلمات الثلاث، وهي قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ، ست فوائد:

الأولى: "إن" المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها، كقولك: "زيد قائم"، ثم تقول: "إن زيدا قائم"، ففي قولك: "إن زيدًا قائم" من الإثبات لقيام زيد ما ليس في قولك: "زيد قائم".

الثانية: تكرير الضمير في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ} ، ولو اقتصر على أحد الضميرين لما كان بهذه المكانة في التقرير لغلبة موسى، والإثبات لقهره.

الثالثة: لام التعريف في قوله: {الْأَعْلَى} ، ولم يقل: "أعلى" ولا "عال"؛ لأنه لو قال ذلك لكان قد نكره، وكان صالحا لكل واحد من جنسه، كقولك: "رجل"، فإنه يصلح أن يقع على كل واحد من الرجال، وإذا قلت: الرجل، فقد خصصته من بين الرجال بالتعريف، وجعلته علما فيهم، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ، أي دون غيرك.

الرابعة: لفظ "أفعل" الذي من شأنه التفضيل، ولم يقل "العالي".

الخامسة: إثبات الغلبة له من العلو؛ لأن الغرض من قوله: {الْأَعْلَى} ، أي: الأغلب، إلا أن في الأعلى زيادة، وهي الغلبة من عال.

السادسة: الاستئناف، وهو قوله تعالى: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ، ولم يقل:


١ سورة طه: الآيتان ٦٧ و٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>