للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفضل؟ لأنك تثبت ذكره مجملا ومفصلا، فجعلته علما في الكرم والفضل، كأنك قلت: من أراد رجلا جامعا للخصلتين جميعًا فعليه بفلان!

فإن قيل: ما الفرق بين عطف المظهر على ضميره، وبين التفسير بعد الإيهام، فإن المضمر كالمبهم؟

فالجواب عن ذلك أني أقول: إن كان سؤالك عن فائدتهما، فإنهما في الفائدة سواء، وذلك أنهما إنما يرادان لتعظيم الحال، والإعلام بفخامة شأنهما.

وإن كان سؤالك عن الفرق بينهما في العبارة، فإني أقول:

المضمر يأتي بعد مظهر تقدم ذكره أولا، ثم يعطف المظهر على ضميره، أي ضمير نفسه، كالمثال الذي ضربناه في بني تميم.

وأما التفسير بعد الإبهام فإن المبهم يقدم أولا، وهو أن يذكر شيء يقع عليه محتملات كثيرة، ثم يفسر بإيقاعه على واحد منها، وليس كذلك عطف المظهر على ضميره.

ومما جاء في التفسير بعد الإبهام قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} ١.

ألا ترى كيف قال: {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} ، فأبهم سبيل الرشاد، ولم يبين أي سبيل هو، ثم فسر ذلك فافتتح كلامه بذم الدنيا وتصغير شأنها، ثم ثنى ذلك بتعظيم الآخرة، والاطلاع على حقيقتها، ثم ثلث بذكر الأعمال سيئها، وحسنها وعاقبة كل منهما، ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، كأنه قال: سبيل الرشاد هو الإعراض عن الدنيا،


١ سورة المؤمن: الآيات ٣٨، ٣٩، ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>