للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ١.

فإنه إنما قال: {لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} ، ولم يقل ليس بي ضلال، كما قالوا؛ لأن نفي الضلالة أبلغ من نفي الضلال عنه، كما لو قيل: ألك تمر? فقلت في الجواب: ما لي تمرة، وذلك أنفى للتمر، ولو قلت: "ما لي تمرة" لما كان يؤدي من المعنى ما أداه القول الأول.

وفي هذا الموضع دقة تحتاج إلى فضل تمام، فينبغي لصاحب هذه الصناعة مراعاته، والعناية به.

فإن قيل: لا فرق بين الضلالة والضلال، وكلاهما مصدر قولنا: ضل يضل ضلالا، وضل يضل ضلالة كما يقال: لذ يلذ لذاذا ولذاذة!

فالجواب عن ذلك: أن الضلالة تكون مصدرًا كما قلت، وتكون عبارة عن المرة الواحدة، تقول: ضل ضلالة، أي مرة واحدة كما تقول: ضرب يضرب ضربة، وقام وأكل يأكل أكلة:

والمراد بالضلالة في هذه الآية إنما هو عبارة عن المرة الواحدة من الضلال، فقد نفى ما فوقها من المرتين والمرار الكثيرة.

وأما الصفتان الواردتان على شيء واحد، فكقول الأشتر النخعي٢:


١ سورة الأعراف: الآيتان ٦٠ و٦١.
٢ هو مالك بن الحارث، أحد بني النخع، والأشتر لقب له، كان شاعرًا يمنيا من شعراء الصحابة، شهد حرب القادسية أيام عمر الخطاب التي كانت بين المسلمين والفرس، وكان لعلي في حروبه مثل ما كان علي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، كتب له بولاية مصر، فخرج يريدها، وبلغ ذلك معاوية، فعظم عليه الأمر، فبعث إلى المقدم على الخراج بالقلزم يعده، ويمنيه إن كفاه شر مالك فلما انتهى الأشتر إلى القلزم استقبله ذلك الرجل، وعرض عليه النزول عنده فنزل فأتاه بطعام فأكل، ثم جاءه بعسل وضع فيه سما فشربه فمات، وذلك سنة ثلاث وثلاثين للهجرة، فقال معاوية لما بلغه ذلك: إن لله جنودا منها العسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>