للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس١

إن لم أشن على ابن حرب غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس٢

خيلا كأمثال السعالي شزبا ... تعدو ببيض في الكريهة شوس٣

حمي الحديد عليهم فكأنه ... لمعان برق أو شعاع شموس٤

ألا ترى أنه رقى في التشبيه من الأدنى إلى الأعلى، فقال: "لمعان برق أو شعاع شموس"؛ لأن لمعان البرق دون شعاع الشموس؟!

ومما ورد من ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} ٥، فإن وجود المؤاخذة على الصغيرة يلزم منه وجود المؤاخذة على الكبيرة.

وعلى القياس المشار إليه أولًا، فينبغي أن يكون لا يغادر كبيرة ولا صغيرة؛ لأنه إذا لم يغادر صغيرة، فمن الأولى ألا يغادر كبيرة.

وأما إذا لم يغادر كبيرة، فإنه يجوز أن يغادر صغيرة؛ لأنه إذا لم يعف عن الصغيرة فيقضي القياس أنه لا يعفو عن الكبيرة، وإذا لم يعف عن الكبيرة، فيجوز أن يعفو عن الصغيرة.

غير أن القرآن الكريم أحق أن يتبع، وأجدر بأن يقاس عليه، لا على غيره والذي ورد فيه من هذه الآية ناقض لما تقدم ذكره.


١ في الأصل "حلقت وفدي" موضع "بقيت وفري" والوفر المال، يقول: بقيت مالي، ولم أنفقه فيما يكسبني الذكر الجميل.
٢ يدعو على نفسه بما يكسبه السوء إن لم يشن أي يفرق الغارة على ابن حرب يعني معاوية بن أبي سفيان.
٣ في الأصل "شرما" موضع "شزبا" والتصويب عن الحماسة ١/ ٤٩، والسعالى الغيلان، وقيل: هي بنات الغيلان، والشزب الضمير، والبيض من البياض كناية عن الكرم ونقاء العرض، والشوس جمع أشوس، وهو الغضبان أو المتكبر، ونصب "خيلا" على أنه يدل على غارة في البيت قبله.
٤ في ديوان الحماسة "١/ ٤٩"، "ومضان برق" موضع "لمعن برق".
٥ سورة الكهف: الآية ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>