للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك ورد قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} ١؛ لأن التأفيف أدنى درجة.

وقد تقدم قولي في أول هذا النوع أنه إذا جاءت صفتان يلزم من وجود إحداهما وجود الأخرى أن يكتفى بذكرها دون الأخرى؛ لأن الأخرى تجيء ضمنا وتبعا، وأن يبدأ بها في الذكر، ثم تجيء الأخرى بعدها وعلى هذا، فيقال: أولًا: فلا تنهرهما ولا تقل لهما أف، لكن إذا لم يقل لهما أف امتنع أن ينهرهما.

وقد كان هذا هو المذهب عندي، حتى وجدت كتاب الله تعالى قد ورد بخلافه، وحينئذ عدت عما كنت أراه وأقول به.

وأما الصفات المتعددة الواردة على شيء واحد، فكقول أبي عبادة البحتري في وصف نحول الركاب٢:

يترقرقن كالسراب قد خضن ... غمارا من السراب الجاري

كالقسي المعطفات بل الأسهم ... مبرية بل الأوتار

ألا ترى أنه رقى في تشبيه نحولها من الأدنى إلى الأعلى، فشبهها أولًا بالقسي، ثم بالأسهم المبرية، وتلك أبلغ في النحول، ثم بالأوتار، وهي أبلغ في النحول من الأسهم.

وكذلك ينبغي أن يكون الاستعمال في مثل هذا الباب.

وقد أغفل كثير من الشعراء ذلك، فمن جملتهم أبو الطيب المتنبي في قوله٣:

يا بدر يا بحر يا غمامة يا ... ليت الشرى يا حمام يا رجل


١ سورة الإسراء: الآية ٢٣.
٢ ديوان البحتري ٢/ ٣٠ من قصيدة له في مدح أبي جعفر بن حميد، ومطلعها:
أبكاء في الدار بعد الدار ... وسلوا بزينب عن نوار
٣ ديوان المتنبي ٣/ ٢١٥ من قصيدة يمدح فيها بدر بن عمار، وقد فصد لعلة مطلعها:
أبعد نأي المليحة البخل ... في البعد مالا تكلف الإبل

<<  <  ج: ص:  >  >>