للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثاني فإنه لما أراد أن الشخوص بهم دون غيرهم دل عليه بتقديم الضمير أولًا ثم بصاحبه ثانيا، كأنه قال: فإذا هم شاخصون دون غيرهم، ولولا أنه أراد هذين الأمرين المشار إليهما لقال: فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة؛ لأنه أخصر بحذف الضمير من الكلام.

ومن هذا النوع قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "وقد سئل عن ماء البحر، فقال: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، وتقدير الكلام: هو الذي ماؤه طهور، وميتته حل؛ لأن الألف واللام ههنا بمعنى الذي.

وأما تقديم الظرف، فإنه إذا كان الكلام مقصودًا به الإثبات، فإن تقديمه أولى من تأخيره، وفائدته إسناد الكلام الواقع بعده إلى صاحب الظرف دون غيره.

فإذا أريد بالكلام النفي فيحسن فيه تقديم الظرف وتأخيره، وكلا هذين الأمرين له موضع يختص به.

فأما تقديمه في النفي، فإنه يقصد به تفضيل المنفي عنه على غيره أما تأخيره، فإنه يقصد به النفي أصلا من غير تفضيل.

فأما الأول -وهو تقديم الظرف في الإثبات- فكقولك في الصورة المقدمة: إن إلي مصير هذا الأمر، ولو أخرت الظرف، فقلت: إن مصير هذا الأمر إلي، لم يعط من المعنى ما أعطاه الأول، وذلك أن الأول دل على أن مصير الأمر ليس إلا إليك، وذلك بخلاف الثاني، إذ يحتمل أن توقع الكلام بعد الظرف على غيرك، فيقال: إلى زيد، أو عمرو، أو غيرهما.

على نحو منه جاء قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ١.

وكذلك جاء قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} ٢.


١ سورة الغاشية: الآيتان ٢٥ و٢٦.
٢ سورة التغابن: الآية ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>