للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه إنما قدم الظرفين ههنا في قوله {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} ؛ ليدل بتقديمها على اختصاص الملك، والحمد بالله لا بغيره.

وقد استعمل تقديم الظرف في القرآن كثيرًا كقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ١ أي تنظر إلى ربها دون غيره، فتقديم الظرف ههنا ليس للاختصاص٢، وإنما هو كالذي أشرت إليه في تقديم المفعول، وأنه لم يقدم للاختصاص، وإنما قدم من أجل نظم الكلام؛ لأن قوله تعالى:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، أحسن من أن لو قيل: وجوه يومئذ ناضرة ناظرة إلى ربها، والفرق بين النظمين ظاهر.

وكذلك قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ٣، فإن هذا روعي فيه حسن النظم لا الاختصاص، في تقديم الظرف.

وفي القرآن مواضع كثيرة من هذا القبيل يقيسها غير العارف بأسرار الفصاحة على مواضع أخرى، وردت للاختصاص، وليست كذلك.

فمنها قوله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} ٤.

وقوله تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} ٥، و {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٦، و {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ٧.

فإن هذه جميعها لم تقدم الظروف فيها للاختصاص، وإنما قدمت لمراعاة الحسن في نظم الكلام، فاعرف ذلك.


١ سورة القيامة: الآيتان ٢٣ و٢٤.
٢ ناقض المؤلف نفسه بقوله: إن تقديم الظرف ههنا ليس للاختصاص بعد تفسيره الآية بقوله: "تنظر إلى ربها دون غيره".
٣ سورة القيامة: الآيتان ٢٩ و٣٠.
٤ سورة القيامة: الآية ١١.
٥ سورة الشورى: الآية ٥٣.
٦ سورة القصص: الآية ٨٨.
٧ سورة هود: الآية ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>