للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثاني: وهو تأخير الظرف وتقديمه في النفي، فنحو قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} ١، وقوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} ٢. فإنه إنما أخر الظرف في الأول؛ لأن القصد في إيلاء حرف النفي الريب نفي الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق، لا باطل وكذب، كما كان المشركون يدعونه، ولو قدم الظرف لقصد أن كتابا آخر فيه الريب لا فيه، كما قصد في قوله: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} ، فتأخير الظرف يقتضي النفي أصلًا من غير تفصيل، وتقديمه يقتضي تفضيل المنفي عنه، وهو خمر الجنة، على غيرها من خمور الدنيا، أي ليس فيها ما في غيرها من الغول، وهذا مثل قولنا: لا عيب في الدار، وقولنا لا فيها عيب، فالأول نفي للعيب عن الدار فقط، والثاني تفضيل لها على غيرها: أي ليس فيها ما في غيرها من العيب، فاعرف ذلك فإنه من دقائق هذا الباب.

وأما تقديم الحال فكقولك: "جاء راكبا زيد"، وهذا بخلاف قولك: "جاء زيد راكبا"، إذ يحتمل أن يكون ضاحكا، أو ماشيا أو غير ذلك.

وأما الاستثناء فجار هذا المجرى، نحو قولك: "ما قام إلا زيدا أحد"، أو"ما قام أحد إلا زيدا"، والكلام على ذلك كالكلام على ما سبق.

المعاظلة المعنوية:

وأما القسم الثاني: فهو أن يقدم ما الأولى به التأخير؛ لأن المعنى يختل بذلك ويضطرب، وهذا هو "المعاظلة المعنوية"، وقد قدمنا القول في المقالة الأولى المختصة بالصناعة اللفظية بأن المعاظلة تنقسم قسمين: أحدهما لفظي، والآخر معنوي.

أما الفظي فذكرناه في بابه٣.


١ سورة البقرة: ١ و٢.
٢ سورة الصافات: الآية ٤٧.
٣ انظر "النوع السابع -في المعاظلة اللفظية"، وقد سبق في صفحة ٣٩٦، وما بعدها من القسم الأول من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>