للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المعنوي فهذا بابه وموضعه، وهو كتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على الموصوف، وتقديم الصلة على الموصول، وغير ذلك مما يرد بيانه.

فمن هذا القسم قول بعضهم:

فقد والشك بين لي عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح١

فإنه قدم قوله: "بوشك فراقهم"، وهو معمول "يصيح" و"يصيح" صفة لصرد على صرد، وذلك قبيح.

ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال: هذا من موضع كذا رجل ورد اليوم، وإنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل، فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها، فكذلك لا يجوز تقديم ما اتصل بها على موصوفها.

ومن هذا النحول قول آخر:

فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرًا رسومها قلمًا

فإنه قدم خبر كأن عليها، وهو قوله "خط".

وهذا وأمثاله مما لا يجوز قياس عليه، والأصل في هذا البيت، فأصبحت بعد بهجتها قفرا، كأن قلما خط رسومها، إلا أنه على تلك الحالة الأولى في الشعر مختل مضطرب.

والمعاظلة في هذا الباب تتفاوت درجتها في القبح، وهذا البيت المشار إليه من أقبحها؛ لأن معانيه قد تداخلت، وركب بعضها بعضا.

ومما جرى هذا المجرى قول الفرزدق:

إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره٢


١ الصرد -بضم الصاد وفتح الراء- طائر ضخم الرأس يصيد العصافير.
٢ ديوان الفرزدق ١/ ٣١٢ من قصيدة له في مدح الوليد بن عبد الله بن مروان، ومطلعها:
كم من مناد والشريفان دونه ... إلى الله تشكي والوليد مفاقره
ورواية الديوان "أبوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>