للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا النوع قول بعضهم:

والشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفس

لم ينتقص مني المشيب قلامة ... ولما بقي مني ألب وأكيس

فقوله: "ولما بقي مني" تقديره وما بقي مني، وإنما أدخل على "ما" هذه اللام قصدًا لتأكيد المعنى؛ لأنه موضع يحتاج إلى التأكيد، ألا ترى أن قوة العمر في الشباب؟، ولما أراد هذا الشاعر أن يصف الشيب -وليس مما يوصف، وإنما يذم- أتى باللام لتؤكد ما قصده من الصفة.

وكذلك ورد قول الشاعر١ من أبيات الحماسة:

إنا لنصفح عن مجاهل قومنا ... ونقيم سالفة العدو الأصيد٢

ومتى نجد يوما فساد عشيرة ... نصلح وإن نر صالحا لا نفسد٣

وهذا كثير سائغ في الكلام، إلا أنه لا يتأتى لمكان العناية بما يعبر به عنه، ألا ترى إلى قول الشاعر: "إنا لنصفح عن مجاهل قومنا"، فإنه لما كان الصفح مما يشق على النفس فعله؛ لأنه مقابلة الشر بالخير والإساءة بالإحسان، أكده باللام، تحقيقا له.

فإن عرى الموضع الذي يؤتى فيه بهذه اللام من هذه الفائدة المشار إليها، وما يجري مجراها، فإن اللام فيه لغير سبب اقتضاه.

وأكثر ما تستعمل هذه اللام في جواب القسم لتحقيق الأمر المقسم عليه، وذلك في الإيجاب، دون النفي؛ لأنها لا تستعمل في النفي.

ألا ترى أنه لا يقال: والله للاقمت، وإنما يقال: والله قمت، لكن في الإيجاب


١ هو مضرس بن ربعي، أحد بني أسد، شاعر جاهلي محسن، وانظر البيتين وما بعدهما في حماسة أبي تمام "٢/ ٣٦".
٢ المجاهل جمع مجهلة، وهي ما يحمل على الجهل، والسالفة صفحة العنق، والأصيد الذي يرفع رأسه كبرًا.
٣ رواية ديوان الحماسة "ومتى نخف" موضع "ومتى نجد".

<<  <  ج: ص:  >  >>