للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا ورد قول أبي نواس١:

فعفوت عني عفو مقتدر ... حلت له نقم فألفاها

أي عفوت عني عفو قادر متمكن القدرة لا يرده شيء عن إمضاء قدرته، وأمثال هذا كثيرة.

وكذلك ورد قوله تعالى في سورة نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} ٢، فإن: {غَفَّارًا} ، أبلغ في المغفرة من "غافر"؛ لأن "فعالا" يدل على كثرة صدور الفعل، و"فاعلا" لا يدل على الكثرة.

وعليه ورد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ٣، فالتواب هو الذي تتكرر منه التوبة مرة على مرة، وهو فعال وذلك أبلغ من التائب الذي هو "فاعل"، فالتائب اسم فاعل من تاب يتوب فهو تائب، أي صدرت التوبة مرة واحدة، فإذا قيل: "تواب"، كان صدور التوبة منه مرارًا كثيرة.

وهذا وما يجري مجراه إنما يعمد إليه لضرب من التوكيد، ولا يوجد ذلك إلا فيما فيه معنى الفعلية كاسم الفاعل والمفعول، وكالفعل نفسه، نحو قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} ٤، فإن معنى: {فَكُبْكِبُوا} من الكب، وهو القلب، إلا أنه مكرر المعنى، وإنما استعمل في الآية دلالة على شدة العقاب؛ لأنه موضع يقتضي ذلك.

ولربما نظر بعض الجهال في هذا، فقاس عليه زيادة التصغير، وقال: إنها زيادة، ولكنها زيادة نقص؛ لأنه في اللفظ حرف، كقولهم في الثلاثي في رجل:


١ ديوان أبي نواس ١٠٩ من أبيات أربعة كتب بها إلى الفضل بن الربيع بعد إطلاقه من السجن، والأبيات الثلاثة التي قبل هذا البيت:
ما من يد في إناس واحدة ... كيد أبو العباس أولاها
نام التقاة على مضاجعهم ... وسرى إلى نفسي وأحياها
قد كنت خفتك ثم أمنني ... من أن أخافك خوفك الله
٢ سورة نوح: الآية ١٠.
٣ سورة البقرة: الآية ٢٢٢.
٤ سورة الشعراء، الآية ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>