للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل ما يجيء من الألفاظ على هذا النحو، فينبغي أن يجري هذا المجرى.

وههنا نكتة لا بد من التنبيه عليها، وذلك أن قوة اللفظ لقوة المعنى لا تستقيم إلا في نقل صيغة إلى صيغة أكثر منها، كنقل الثلاثي إلى الرباعي، وإلا فإذا كانت صيغة الرباعي مثلا موضوعة لمعنى، فإنه لا يراد به ما أريد من نقل الثلاثي إلى مثل تلك الصيغة.

ألا ترى أنه إذا قيل في الثلاثي: "قتل"، ثم نقل إلى الرباعي، فقيل: "قتّل" بالتشديد، فإن الفائدة من هذا النقل هي التكثير: أي أن القتل وجد منه كثيرًا، وهذا الصيغة الرباعية بعينها لو وردت من غير نقل لم تكن دالة على التكثير، كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ١، فإن "كلم" على وزن "قتل"، ولم يرد به التكثير، بل أريد به أنه خاطبه، سواء كان خطابه إياه طويلا أو قصيرًا، قليلًا أو كثيرًا، وهذه اللفظة رباعية، وليس لها ثلاثي نقلت عنه إلى الرباعي، لكن قد وردت بعينها، ولها ثلاثي ورباعي، فكان الرباعي أكثر وأقوى فيما دل عليه من المعنى، وذاك أن تكون "كلّم" من الجرح: أي جرح، ولها ثلاثي وهو "كَلم" مخففا: أي جرح، فإذا وردت مخففة دلت على الجراحة مرة واحدة، وإذا وردت مثقلة دلت على التكثير.

وكذلك ورد قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} ٢، فإن لفظة "رتل" على وزن لفظة "قتل"، ومع هذا ليست دالة على كثرة القراءة، وإنما المراد بها أن تكون القراءة على هيئة التأني والتدبر، وسبب ذلك أن هذه اللفظة لا ثلاثي لها حتى تنقل عنه إلى رباعي، وإنما هي رباعية موضوعة لهذه الهيئة المخصوصة من القراءة.

وعلى هذا فلا يستقيم معنى الكثرة، والقوة في اللفظ، والمعنى إلا بالنقل من وزن إلى وزن أعلى منه، فاعرف ذلك.

ومن ههنا شذ الصواب عمن شذ عنه في "عالم"، و"عليم"، فإن جمهور علماء العربية يذهبون إلى أن "عليما" أبلغ في معنى العلم من "عالم"، وقد تأملت ذلك، وأنعمت نظري فيه، فحصل عندي شك في الذي ذهبوا إليه، والذي أوجب ذلك


١ سورة النساء: الآية ١٦٤.
٢ سورة الزمل: الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>