للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلفظة "حياد" قد وردت ههنا: وإنما أوردها هذا الشاعر، وقصد بها المبالغة في وصف شجاعة هذا الرجل، فانعكس عليه المقصد الذي قصده؛ لأن "حيادا" من "حيد"، فهو "حياد"، أي وجد منه الحيد ودة مرارًا، كما يقال: "قتل" فهو "قتال": أي وجد منه القتل مرارا، وإذا كان هذا الرجل غير حياد كان حائدا، أي وجدت منه الحيدودة مرة واحدة، وإذا وجدت منه مرة كان ذلك جبنا، ولم يكن شجاعة، والأولى أن كان قال: غير مكذب حائد.

وينبغي أن يعلم أنه إذا وردت لفظة من الألفاظ، ويجوز حملها على التضعيف الذي هو طريق المبالغة، وحملها على غيره أن ينظر فيها، فإن اقتضى حملها على المبالغة فهو الوجه.

فمن ذلك قول البحتري في قصيدته التي مطلعها:

منى النفس في أسماء لو تستطيعها١

وهي قصيدة مدح بها الخليفة المتوكل -رحمه الله- وذكر فيها حديث الصلح بين بني تغلب، فمما جاء فيها قوله:

رفعت بضبعي تغلب ابنة وائل ... وقد يئست أن يستقل صريعها

فكنت أمين الله مولى حياتها ... ومولاك فتح يوم ذاك شفيعها

تألفتهم من بعد ما شردت بهم ... حفائظ أخلاق بطيء رجوعها

فأبصر غاويها المحجة فاهتدى ... وأقصر غاليها ودانى شسوعها

فقوله: "تألفتهم من بعد ما شردت بهم" يجوز أن تخفف لفظة "شردت"، ويجوز أن تثقل، والتثقيل هو الوجه؛ لأنه في مقام الإصلاح بين قوم تنازعوا واختلفوا، وتباينت قلوبهم وآراؤهم.


١ عجز هذا المطلع هو:
بها وجدها من غادة وولوعها
وهي أولى قصائد الديوان ١/ ٢، وقد قالها البحتري في مدح أمير المؤمنين المتوكل على الله، ويذكر صلح بني تغلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>