للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ورد منه شعرا قول أبي الطيب المتنبي في قصيدته التي يمتدح بها عضد الدولة أبا شجاع بن بويه، ومطلعها١:

فدى لك من يقصر عن مداكا٢

وسأذكر الموضع الذي حذف منه الفعل، وجوابه لتعلق الأبيات بعضها ببعض، وهي من محاسن ما يؤتى به في معنى الوداع، ولم يأت لغيره مثلها، وهي:

إذا التوديع أعرض قال قلبي ... عليك الصمت لا صاحبت فاكا٣

ولولا أن أكثر ما تمنى ... معاودة لقلت ولا مناكا٤

قد استشفيت من داء بداء ... وأقتل ما أعلك ما شفاكا

فأكتم منك نجوانا وأخفي ... هموما قد أطلت لها العراكا٥

إذا عاصيتها كانت شدادًا ... وإن طوعتها كانت ركاكا٦

وكم دون الثوية من حزين ... يقول له قدومي: ذا بذاكا٧


١ ديوان المتنبي ٢/ ٣٨٥.
٢ هذا صدر المطلع، وعجزه:
فلا ملك إذن إلا فداكا
٣ إذا ظهر التوديع قال لي قلبي: اسكت، ولا تتكلم بالوداع، قال الواحدي: ويجوز أن يكون المعنى: لا تمدح غيره، ومعنى "لا صاحبت فاك" أي: لا نطقت: دعاء عليه.
٤ معناه: لولا أن قلبي أكثر ما يتمنى، ويطلب معاودة خدمة الممدوح، لقلت له: لا بلغت مناك: وقال الواحدي: لا بلغت مناك في الارتحال، حتى لا أفارقه. ولكنه يتمنى الارتحال للعود إليه.
٥ رواية الديوان "فأستر منك" موضع "فأكتم منك".
٦ الركاك: الضعاف، وهو جمع ركيك كضعيف.
٧ الثوبة مكان بالكوفة على بعد ثلاثة أميال منها، ومعنى البيت: كم دونها من إنسان حزين لفراقي، فإذا قدمت فرح لقدومي، فيقوله القدوم، هذا السرور بالغم الذي كنت لقيته بالبعد، وهذا كقول أبي تمام:
وليست فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع
وقول ابن الرومي يخاطب أمه، وقد أراد سفرًا:
فقلت لها إن اكتئابا بشاخص ... سيتبعه الله ابتهاجا بقادم

<<  <  ج: ص:  >  >>