للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعاني يزيد بعد ما ساء ظنه ... وعبس وقد كانا على حد منكب١

وقد علما أن العشيرة كلها ... سوى محضري من حاضرين وغيب٢

فالمفعول الثاني من "علما" محذوف؛ لأن قوله: "أن العشيرة" في موضع مفعول "علما" الأول، وتقدير الكلام قد علما أن العشيرة سوى محضري من حاضرين وغيب لا غناء عندهم، أو سواء حضورهم وغيبتهم، أو ما جرى هذا المجرى.

ومن هذا الضرب أيضًا: حذف المفعول الوارد بعد المشيئة، والإرادة كقوله تعالى: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} ٣.

فمفعول: {شَاءَ} ههنا محذوف، وتقديره ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها.

وعلى نحو من ذلك جاء قوله تعالى: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ٤.

ومما جاء على مثال ذلك شعرا قول البحتري٥:

لو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما ولم تهدم مآثر خالد

الأصل في ذلك: لو شئت ألا تفسد سماحة حاتم لم تفسدها، فحذف ذلك من الأول، استغناء بدلالته عليه في الثاني.

وقد تقدم أن من الواجب في حكم البلاغة ألا تنطق بالمحذوف، ولا تظهره إلى اللفظ، ولو أظهرت لصرت إلى كلام غث.


١ في الأصل جد موضع "حد"، والتصويب عن الحماسة، والحد الطرف والمنكب النكبه، وهي، الثانية، والمعنى دعاني يزيد وعبس لنصرتهما، وقد كانا أشرفا على الهلاك، وذلك تفسير "ساء ظنه".
٢ في الحماسة "خاذلين" موضع "حاضرين"، والغيب جمع غائب، يقول: استغاثا في متيقنين أن كل عشيرتهما -إذا لم أحضر- بين شاهد لا ينصر. وغائب لا يحضر، ودل بهذا الكلام على الضرورة الداعية إلى الاستغاثة به.
٣ سورة البقرة: الآية ٢٠.
٤ سورة الأنعام: الآية ٣٥.
٥ ديوان البحتري ٢/ ٤٢، قصيدة له في مدح يوسف بن محمد، ومطلعها:
عجبا لطيف خيالك المتعاهد ... ولو صلك المتقارب المتباعد

<<  <  ج: ص:  >  >>