للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجيء المشيئة بعد "لو"، وبعد حروف الجزاء هكذا موقوفة غير معداة إلى شيء كثير شائع بين البلغاء.

ولقد تكاثر هذا الحذف في "شاء" و"أراد" حتى إنهم لا يكادون يبرزون المفعول، إلا في الشيء المستغرب، كقوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} ١.

على هذا الأسلوب جاء قول الشاعر٢:

ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع٣

فلو كان على حد قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} لوجب أن يقول: ولو شئت لبكيت دمًا، ولكنه ترك تلك الطريقة وعدل إلى هذه؛ لأنه أليق في هذا الموضع، وسبب ذلك أنه كان بدعا عجيبا أن يشاء الإنسان أن يبكي دما، فلما كان مفعول المشيئة مما يستعظم، ويستغرب كان الأحسن أن يذكر ولا يضمر.


١ سورة الزمر: الآية ٤.
٢ هو الخزيمي، واسمه إسحاق بن حسان، ويكنى أبا يعقوب، وهو من العجم، وكان مولى ابن خريم، الذي يقال لأبيه: "خريم الناعم" وكان أبو يعقوب متصلا
بمحمد بن منصور بن زياد، كاتب البرامكة، وله فيه مدائح جياد، ثم رثاه بعد موته، فقال له أحمد بن يوسف الكاتب: يا أبا يعقوب، مدائحك لآل منصور بن زياد أحسن من مراثيك وأجود! فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء، وبينهما بون بعيد!
٣ انظر ديوان المعاني "٢/ ١٧٥" قال أبو هلال العسكري: وأخبرنا أبو أحمد قال: سمعت ابن يزيد يقول: لو سئلت عن أحسن أبيات تعرف في المراثي لم أختر على أبيات الخريمي:
ألم ترني أبني على الليث بنية ... وأحثى عليه الترب لا أتخشع
وأعددته ذخرا لكل ملمة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
وإني وإن ظهرت مني جلادة ... وصانعت أعدائي عليه لموجع
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

<<  <  ج: ص:  >  >>