للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكن عمياء، وإنما يريد آية مبصرة، فحذف الموصوف، وأقام الصفة مقامه.

ولقد تأملت حذف الموصوف في مواضع كثيرة، فوجدت أكثر وقوعه في النداء، وفي المصدر.

أما النداء فكقولهم: يا أيها الظريف، تقديره: يا أيها الرجل الظريف.

وعليه ورد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} ١ تقديره: يا أيها الرجل الساحر، وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ٢ تقديره: يا أيها القوم الذين آمنوا.

وأما المصدر فكقوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} ٣، تقديره: ومن تاب وعمل عملا صالحا.

وقد أقيمت الصفة الشبيهة بالجملة مقام الموصوف المبتدأ في قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ٤ أي: قوم دون ذلك.

وأما حذف الصفة وإقامة الموصوف مقامها: فإنه أقل وجودا من حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه، ولا يكاد يقع في الكلام إلا نادرًا، لمكان استبهامه.

فمن ذلك ما حكاه سيبويه٥ -رحمه الله- من قولهم: "سير عليه ليل"،


١ سورة الزخرف: الآية ٤٩، وتتمه الآية: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} .
٢ تردد هذا النداء في آيات كثيرة من سورة القرآن الكريم.
٣ سورة الفرقان: الآية ٧١.
٤ سورة الجن: الآية ١١.
٥ هو أبو بشر، ويقال: أبو الحسن، عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين، أصله من البيضاء من أرض فارس، ونشأ بالبصرة، وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر، قال أبو عبيد: قيل ليونس بعد موت سيبويه: أن سيبويه صنف كتابا في ألف ورقة من علم الخليل، فقال: ومتى سمع سيبويه هذا كله من الخليل؟ جيئوني بكتابه، فلما رآه قال: يجب أن يكون صدق فيما حكاه عن الخليل كما صدق فيما حكاه عني، وقال بعضهم: كنت عند الخليل فأقبل سيبويه؛ فقال: مرحبا بزائر لا يمل، قال: وما سمعت الخليل بقولها لغيره، واختلف في وفاته بين ١٨٠ و١٦١ و١٨٨ و١٩٤: بالبيضاء أو بشيراز، أو بالذرب، أو بالبصرة، وقال ابن الجوزي: مات بساوة، ومن أعجب العجب هذا الاختلاف الكثير في وفاة هذا العلم الإمام!

<<  <  ج: ص:  >  >>