للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريدون: ليل طويل، وإنما حذفت الصفة في هذا الموضع لما دل من الحال عليه، وذاك أنه يحسن في كلام القائل لذلك من التصريح، والتطويح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وهو أن يكون في مدح إنسان، والثناء عليه فتقول: "كان والله رجلا" أي: رجلا فاضلا، أو شجاعا أو كريما، أو ما جرى هذا المجرى من الصفات، وكذلك تقول: "سألناه فوجدناه إنسانا" أي: إنسانا سمحا، أو جوادا، أو ما أشبهه، فعلى هذا ونحوه تحذف الصفة، فأما إن عريت عن الدلالة عليها من اللفظ أو الحال، فإن حذفها لا يجوز.

وقد تأملت حذفها فوجدته لا يسوغ إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها، أو تأخر عنها، أو فهم ذلك من شيء خارج عنها.

أما الصفة التي تقدمها ما يدل عليها، فقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ١، فحذف الصفة: أي كان يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، ويدل على المحذوف قوله: "فأردت أن أعيبها"، فإن عيبه إياها لم يخرجها عن كونها سفينة، وإنما المأخوذ هو الصحيح دون المعيب، فحذفت الصفة ههنا؛ لأنه تقدمها ما يدل عليها.

وأما التي تأخر عنها ما يدل عليها فقول بعض شعراء الحماسة٢:

كل امرئ ستئيم من ... هـ العرس أو منها يئيم٣


١ سورة الكهف: الآية ٧٩.
٢ هو يزيد بن الحكم الثقفي، شاعر إسلامي عاصر الفرزدق وجريرًا، ومر عليه الفرزدق ذات يوم وهو ينشد في المجلس شعرًا، فقال: من هذا الذي ينشد شعرا كأنه من أشعارنا؟ فقالوا: يزيد بن الحكم، فقال: نعم، أشهد الله أن عمتي ولدته، وكان شاعر ثقيف في الإسلام، والبيت من قصيدة له يعظ فيها ابنه بدرا، أولها.
يا بدر والأمثال يض ... ربها لذي اللب الحكيم
وهي في ديوان الحماسة "٢/ ٤١".
٣ في الأصل "سنتم" وهو تحريف، والتصويب عن ديوان الحماسة "٢/ ٤٤" والأيم من لازوج له، والعرس الزود، وتئيم منه تصبح المرأة أيما بموت الزوج وعكسه يئيم منها، والمعنى أن الموت لا بد منه لكل حي، وأن نظام الأسرة لا بد أن يفرط عقده.

<<  <  ج: ص:  >  >>