للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى إلى هذا الكلام الذي لو أردت أن تحذف منه كلمة واحدة لما قدرت على ذلك؛ لأنك كنت تذهب بجزء من معناه؟.

والإيجاز هو ألا يمكنك أن تسقط شيئا من ألفاظه١.

والآيات الواردة من هذا الضرب كثيرة، كقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} ٢.

فقوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} من جوامع الكلم، ومعناه أن خطاياه الماضية قد غفرت له وتاب الله عليه فيها، إلا أن قوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} أبلغ: أي أن السالف من ذنوبه لا يكون عليه إنما هو له.

وكذلك ورد قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} ٣.

ف"عليه كفره" كلمة جامعة تغني عن ذكر ضروب من العذاب؛ لأن من أحاط به كفره، فقد أحاطت به كل خطيئة.

وعلى نحو من هذا جاء قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ٤.

فهذا الآية من جوامع الآيات الواردة في القرآن الكريم.

وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأها على الوليد بن المغيرة، فقال له: يا ابن أخي، أعده، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم قراءتها عليه، فقال له: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.

ومن هذا النحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ


١ أي من ألفاظ هذا الكلام.
٢ سورة البقرة: الآية ٢٧٥.
٣ سورة فاطر: الآية ٣٩.
٤ سورة النحل: الآية ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>