للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ١.

وهذه الآيات من قوارع القرآن العجيبة التي دلت على تخويف، وإرهاب ترق القلوب، وتقشعر منه الجلود، وهي مشتملة على قصرها على حال الإنسان منذ خلقه إلى حين حشره وحشر غيره من الناس، وتصوير ذلك الأمر الفظيع في أسهل لفظ وأقربه، وما مررت عليها ألا جدت لي موعظة، وأحدثت عندي إيقاظا.

ومن هذا الضرب، ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه لأبي سلمة٢ عند موته، فقال: "اللهم ارفع درجته في المهتدين، واخلفه في عقبه في الغابرين لنا، وله يا رب العالمين".

وهذا دعاء جامع بين الإيجاز وبين مناسبة الحال التي وقع فيها، فأوله مفتتح بالمهم الذي يفتقر إليه المدعو له في تلك الحال، وهو رفع درجته في الآخرة، وثانيه مردف بالمهم الذي يؤثر المدعو له من صلاح حاله عقبه من بعده في الدنيا، وثالثه مختتم بالجمع بين الداعي والمدعو له.

وهذا من الإيجاز البليغ الذي هو طباق ما قصد له.

وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- هكذا كما قال: "أوتيت جوامع الكلم".

وكذلك ورد قوله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، فإنه قال: "هذا يوم له ما بعده"، وهو شبيه بقوله تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} .


١ سورة "ق": الآيات ١٦-٢٢.
٢ هو أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي، اسمه عبد الله بن عبد الأسد، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، كان ممن هاجر بامرأته أم سلمة بنت أبي أمية إلى أرض الحبشة، ثم شهد بدرًا بعد أن هاجر الهجرتين، وجرح يوم أحد جرحًا اندمل ثم انتقض فمات منه، وذلك لثلاث مضين لجمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة، وتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأته.

<<  <  ج: ص:  >  >>