للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما جرح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الجراحة التي مات بها اجتمع إليه الناس، فجاءه شاب من الأنصار وقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، لك من صحبة رسول الله وقدم في الإعلام ما علمت، ووليت فعدلت، ثم شهادة.

وهذا كلام سديد قد حوى المعنى المقصود، وأتى به في أوجز لفظ وأحسنه، ومع ما فيه من الإيجاز فإنه مستغرب، وسبب استغرابه أنه جعل المساءة بشرى، وأخرجها مخرج المسرة، وتلطف في ذلك فأبلغ، ولو أراد الكاتب البليغ والخطيب المصقع، أن يأتي بذلك على هذا الوجه لأعوزه.

ومن هذا النمط ما كتبه طاهر بن الحسين١ إلى المأمون٢ عند لقائه "علي بن" عيسى بن ماهان٣ وهزمه إياه وقتله، فكتب إليه: "كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس "علي بن" عيسى بن ماهان٣ بين يدي، وخاتمه في يدي، وعسكره مصرف تحت أمري، والسلام"٤.

وهذا من الكتب المختصرة التي حوت الغرض المطول، وما يكتب في هذا المقام مثله.


١ كان جده رزيق بن هامان، مولى طلحة الطلحات الخزاعي المشهور بالكرم والجود المفرط، وكان طاهر من أكبر بن أعوان المأمون، وسيره من مروكرسي خرسان لما كان المأمون، بها إلى محاربة أخيه الأمين ببغداد لمام خلع بيعته، وسير الأمين أبا يحيى علي عيسى بن ماهان لدفع طاهر عنه، فتواقعا، وقتل علي في المعركة ومولد طاهر سنة تسع وخمسين ومائة، وتوفي يوم السبت لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة سبع ومائتين بمدينة مرو.
٢ ويروى أنه كتب بهذا الكتاب إلى الفضل بن سهل أول وزراء المأمون.
٣ في الأصل "عيسى بن ماهان"، والصحيح ما ذكرناه.
٤ ويروى أن نص الكتاب إلى الفضل بن سهل "أطال الله بقاءك، وكبت أعداءك وجعل من يشناك فداءك، كنيت إليك ورأس علي بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي، والحمد لله رب العالمين"، فلما وصل الكتاب إلى الفضل نهض، فسلم على المأمون بأمير المؤمنين، وأمد طاهرا بالرجال والقواد وسماه "ذا اليمينين وصاحب حبل الدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>