للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكري، والغانمي، حتى إنه قال: إن كتب الفتوح وما جرى مجراها مما يقرأ على عوام الناس ينبغي أن تكون مطولة مطنبا فيها١.

وهذا القول فاسد؛ لأنه إن عنى بذلك أنها تكون ذات معان متعددة قد استقصى فيها شرح تلك الحادثة من فتح، أو غيره فذلك مسلم، وإن عني بذلك أنها تكون مكررة المعاني مطولة الألفاظ قصدًا لإفهام العامة، فهذا غير مسلم، وهو مما لا يذهب إليه من عنده أدنى معرفة بعلم الفصاحة والبلاغة.

ويكفي في بطلانه كتاب الله تعالى، فإنه لم يجعل لخواص الناس فقط، وإنما جعل لعوامهم وخواصهم، وأكثره لا بل جميعه مفهوم الألفاظ للعوام، إلا كلمات معدودة، وهي التي تسمى غريب القرآن، وقد تقدم الكلام على ذلك في المقالة الأولى المختصة بالألفاظ٢.

وعلى هذا فينبغي أن تكون الكتب جميعها مما يقرأ على عوام الناس، وخواصهم ذات ألفاظ سهلة مفهومة، وكذلك الأشعار والخطب، ومن ذهب إلى غير ذلك، فإنه بنجوة عن هذا الفن.

وعلى هذا فإن الإطناب لا يختص به عوام الناس، وإنما هو للخواص كما هو للعوام.

وسأبين حقيقته في كتابي هذا، وأحقق القول فيه، بحيث تزول الشبهة التي خبط أرباب علم البيان من أجلها، وقالوا أقوالا لا تعرب عن فائدة.


١ عبارة أبي هلال في الصناعتين ١٩٠: "ولاشك في أن الكتب الصادرة عن السلاطين في الأمور الجسيمة، والفتوح الجليلة، وتفخيم النعم الحادثة، والترغيب في الطاعة، والنهي عن المعصية، سبيلها أن تكون مشبعة مستقصاة، تملأ الصدور، وتأخذ بمجامع القلوب "ولا نرى تناقضا بين تفريقه بين الإطناب والتطويل، ورأيه في إشباع هذه الكتب، واستقصائها بما يدل على الإطناب.
٢ انظر تفصيل رأي ابن الأثير في هذا في صفحة ١٨٥، وما بعدها في القسم الأول من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>