للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة معنى الإطناب:

والذي عندي فيه أنه إذا رجعنا إلى الأسماء واشتقاقها، وجدنا هذا الاسم مناسبا لمسماه، وهو في أصل اللغة مأخوذ من أطنب في الشيء إذا بالغ فيه، ويقال: أطنبت الريح، إذا اشتدت في هبوبها، وأطنب السير، إذا اشتد فيه.

وعلى هذا فإن حملناه على مقتضى مسماه كان معناه المبالغة في إيراد المعاني، وهذا لا يختص بنوع واحد من أنواع علم البيان، وإنما يوجد فيها جميعها، إذ ما من نوع منها إلا ويمكن المبالغة فيه.

وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يفرد هذا النوع من بينها، ولا يتحقق إفراده إلا بذكر حده الدال على حقيقته.

حد الإطناب:

والذي يحد به أن يقال: هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.

فهذا حده الذي يميزه عن "التطويل"، إذ التطويل هو: زيادة اللفظ عن المعنى لغير فائدة١.


١ وعند البلاغيين أن "التطويل" هو أن يزيد اللفظ على أصل المراد لا لفائدة، ولا يكون اللفظ الزائد متعينا كقول عدي بن زيد العبادي:
فقددت الأديم لراهشيه ... ألقى قولها كذبا ومينا
فإن الزائد هو "كذبا" أو"مينا"، ولا يتعين أحدهما لزيادة ولا يترجح، فإن كانت الزيادة متعينة اختص ذلك باسم "الحشو"، وهو زيادة معينة لا لفائدة كقول أبي الطيب:
ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لولا لقاء شعوب
فإن لفظ "الندى" فيه حشو يفسد المعنى؛ لأن المعنى أنه لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر، والندى لولا الموت، وهذا الحكم صحح في الشجاعة دون الندى؛ لأن الشجاع لو علم أنه يخلد في الدنيا لم يخش الهلاك في الإقدام، فلم يكن لشجاعته فضل، بخلاف الباذل ماله، فإنه إذا علم أنه يموت هان عليه بذله، وقد يكون الحشو غير مفسد للعنى كقول الشاعر:
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب
فإن لفظ الرأس حشو لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس وليس بمفسد للمعنى، وفي هذا وغيره أقوال يرجع إليها في موسوعات البلاغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>