للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مساق الآية المشار إليها جاء قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} ١.

ألا ترى أن مساق الكلام أن الإنسان يقول لزوجته: "أنت علي كظهر أمي"، ويقول لمملوكه: "يا بني"، فضرب الله لذلك مثلًا، فقال: كيف تكون الزوجة أما? وكيف يكون المملوك ابنا? والجمع بين الزوجة والأمومة، وبين العبودية والبنوة في حالة واحدة كالجمع بين القلبين في الجوف، وهذا تعظيم لما قالوه، وإنكار له، ولما كان الكلام في حال الإنكار، والتعظيم أتى بذكر الجوف، وإلا فقد علم أن القلب لا يكون إلا في الجوف، والتمثيل يصح بقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ} وهو تام، لكن في ذكر الجوف فائدة، وهي ما أشرت إليها، وفيها أيضًا زيادة تصوير للمعنى المقصود؛ لأنه إذا سمعه المخاطب به صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين، فكان ذلك أسرع إلى إنكاره.

وعليه ورد قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} ٢.

فكما أن القلب لا يكون إلا في الجوف، فكذلك السقف لا يكون إلا من فوق، وهذا مقام ترهيب وتخويف، كما أن ذاك مقام إنكار وتعظيم.

ألا ترى إلى هذه الآية بكمالها وهي قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} ٢، ولذكر لفظة: {فَوْقِهِمْ} ، فائدة لا توجد مع إسقاطها من هذا الكلام، وأنت تحس هذا من نفسك، فإنك إذا تلوت هذه الآية يخيل إليك أن سقفًا خر على أولئك من فوقهم، وحصل في نفسك من الرعب ما لا يحصل مع إسقاط تلك اللفظة.


١ سورة الأحزاب: الآية ٤.
٢ سورة النحل: الآية ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>