للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظلم أهل الظلم من بات حاسدًا ... ومن بات في نعمائه يتقلَّب١

وهذا البيت يستخرج منه معنيان ضدان, أحدهما: أن المنعَم عليه يحسد المنعِم، والآخر: أن المنعِم يحسد المنعَم عليه, وكذلك ورد قوله أيضًا من قصيدة يمدحه:

فإن نلت ما أمَّلت منك فربما ... شربت بماءٍ يعجز الطّير ورده٢

فإن هذا البيت يحتمل مدحًا وذمًّا، وإذا أُخِذَ بمفرده من غير نظر إلى ما قبله فإنه يكون بالذمِّ أولى منه بالمدح؛ لأنه يتضمَّن وصف نواله بالبعد والشذوذ, وصدر البيت مفتتح بإن الشرطية، وقد أجيب بلفظة "رُبَّ" التي معناها التقليل, أي: لست من نوالك على يقين، فإن نلته فربما وصلت إلى مورد لا يصل إليه الطير لبعده، وإذا نظر إلى ما قبل هذا البيت دلَّ على المدح خاصة، لارتباطه بالمعنى الذي قبله, وكثيرًا ما كان يقصد المتنبي هذا القسم في شعره، كقوله من قصيدة أولها:

عدوُّك مذمومٌ بكلِّ لسان ... ولو كان من أعدائك القمران

ولله سرٌّ في علاك وإنما ... كلام العدا ضربٌ من الهذيان٣

ثم قال:

فما لك تُعْنَى بالأسنَّة والقنا ... وَجَدَك طعَّان بغير سنان٧

فإن هذا بالذمِّ أشبه منه بالمدح؛ لأنه يقول: لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك، بل بجدٍّ وسعادةٍ، وهذا لا فضل فيه؛ لأن السعادة تنال الخامل والجاهد ومن لا يستحقها، وأكثر ما كان المتنبي يستعمل هذا القسم في قصائده الكافوريات.

وحكى أبو الفتح بن جِنِّي، قال: قرأت على أبي الطيب ديوانه، إلى أن وصلت إلى قصيدته التي أولها:


١ ديوان المتنبي ١/ ١٨٥.
٢ ديوان المتنبي ٢/ ٢٨.
٣ ديوان المتنبي ٤/ ٢٤٢.
٤ ديوان المتنبي ٤/ ٢٤٧ والرواية فيه "وما تعنى ... البيت" وقبل هذا البيت:
فما لك تختار القسى وإنما ... عن السعد يرمي دونك الثقلان

<<  <  ج: ص:  >  >>