للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزع الخاتم من يده وخلع، وترك جسده طعاما للطيور والسباع، والذئاب والضباع، وانجلت الوقعة عن غلب أمير المؤمنين ونصره، وخذلان عدوه وقهره، والسلام.

فهذا الكتاب يشتمل على تطويل لا فائدة فيه؛ لأنه كرر فيه معاني يتم الغرض بدونها، وذكر ما لا حاجة إليه في الإعلام بالواقعة.

فانظر إلى هذه الكتب الثلاثة، وتأملها كما تأملت الذي تقدمها.

وبعد ذلك إني أورد لك كتابا، وتقليدًا يوضحان لك فائدة الإطناب، أما الكتاب فإنه كتاب كتبته عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب -رحمه الله تعالى- إلى ديوان الخلافة ببغداد يتضمن فتح بيت المقدس، واستنقاذه من أيدي الكفار، وذلك في معارضة كتاب كتبه عبد الرحيم بن علي البيساني١ عنه، وكان الفتح في السابع والعشرين من شهر رجب من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

"خلد الله سلطان الديوان العزيز النبوي، وجعل أيام دولته أترابا، ومناقب مجدها هضابا وزادها على مرور الأيام شبابا، وأوسعها توشية وذهابا، إذا أوسع غيرها تلاشيا وذهابا، ومنحها في الدنيا والآخرة عطاء وفاقا لا عطاء حسابا، ومثل جدودها في عيون الأعداء شيئا عجابا، وأراهم منها وراءهم في اليقظة إرهابا وإرعابا، وفي المنام إبلا صعابا تقود خيلًا عرابًا، لو جمعت العصور في صعيد واحد لكان هذا العصر عليها فاخرًا، وفاز بسبق أوائلها وإن جاء آخرا، وليس ذلك إلا لخطوته بالدولة الناصرية التي كسته خبرا وقلدته دررا، ودونت له من المحامد سيرا، وجعلت في كل ناحية من وجهه شمسا وقمرا.

"وقيض الله لها من الخادم وليا يوصل يومه في طاعتها بأمسه، ولا يرى إلا ومن نفسه في خدمتها رقيب على نفسه، وطالما سعى بين يديها بمساع تغص بأخبارها محافل


١ هو القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني اللخمي، ولد بعسقلان، ونشأ ببلاد فلسطين، حيث ألم بالعربية والأدب، ثم كتب في الإسكندرية في دواوينها حتى ظهر فضله، فنقل إلى القاهرة زمن العاضد، ولما استولى صلاح الدين على مصر كان بمنزلة وزير له، ووزر بعده لابنه العزيز، وتوفي سنة ٥٩٦هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>