والعين القريرة، وكان انتصاره بجد أمير المؤمنين لا بحد نصله، والجد أغنى من الجيش، وإن كثرت أمداد خيله ورجله، وجيء برأس "علي بن" عيسى بن ماهان وهو على جسد غير جسده، وليس له قدم، فيقال: إنه يسعى بقدمه ولا يد، فيقال: إنه يبطش بيده، ولقد طال وطوله مؤذن بقصر شأنه، وحسدت الضباع الطير على مكانها منه، وهو غير محسود على مكانه، وأحضر خاتمه، وهو الخاتم الذي كان الأمر يجري على نقش أسطره، وكان يرجو أن يصدر كتاب الفتح بختمه، فحال ورود المنية دون مصدره، وكذلك البغي مرتعه وبيل ومصرعه جليل، وسيفه وإن مضى فإنه عند الضرب كليل، وقد نطق الفأل بأن الخاتم، والرأس مشيران بالحصول على خاتم الملك ورأسه، وهذا الفتح أساس لما يستقبل بناؤه، ولا يستقر البناء إلا على أساسه، والعساكر التي كانت على أمير المؤمنين حربا صارت له سلمًا، وأعطته البيعة علما بفضله، وليس من تابع تقليدًا كمن تابع علما، وهم الآن مصروفون تحت الأوامر، ممتحنون بكشف السرائر، مطيفون باللواء الذي خصه الله باستفتاح المقالد واستيطاء المنابر، وكما سرت خطوات القلم في أثناء هذا القرطاس، فكذلك سرت طلائع الرعب قبل الطلائع في قلوب الناس، وليس في البلاد ما يغلق بمشيئة الله بابا، ولا يحسر نقابا، وعلى الله إتمام النعم التي افتتحها، وإجابة أمير المؤمنين إلى مقترحاته التي اقترحها، والسلام.
وهذا الكتاب يشتمل على ما اشتمل عليه كتاب طاهر بن الحسين من المعنى، إلا أنه فصل ذلك الإجمال.
ولو كتبت على وجه "التطويل" الذي لا فائدة فيه لقيل: "أصدر كتابه في يوم كذا من شهر كذا، والتقى عسكر أمير المؤمنين، وعسكر عدوه الباغي.
وتطاعن الفريقان، وتزاحف الجمعان، وحمي القتال، واشتد النزال، وترادفت الكتائب، وتلاحقت المقانب١، وقتل "علي بن" عيسى بن ماهان، واحتز رأسه وقطع،
١ المقانب جمع مقنب -على زنة منبر- جماعة الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين، أو زهاء ثلثمائة.