للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولطالما جد الخادم في السعي له وأبصار العدا تزلقه، وألسنتهم تسلقه، وما منهم إلا من أكثر الشناعة بأن ذلك السعي للاستكثار من البلاد، والله يعلم أنه لم يكن إلا للاستكثار من موارد الجهاد، لا جرم أن صدق النية كان له عقبى الدار، وتلك الأقوال الكاذبة كان لها عقبى البوار، ويوم هذا الفتح يفتقر قبله إلى أيام تجلو بياضه عن سوادها، ويلقح لها بطون المساعي حتى يكون هو نتيجة ميلادها، ولما ظفر به الخادم لم يكن لأهل النجامة١ فيه قول يرد كذابه، ولا يقبل صوابه، والشهب الطالعة على ذوات السروج، أصدق نبأ من الشهب الطالعة من ذوات البروج، على أنهما وإن اتفقا رجما فإنهما يختلفان علما، فعلم هذه يسأل عنه ثغر الأعناق، وعلم هذه يسأل عنه بطون الأوراق.

ولما دخل البلد وجد به أممًا لولا أن ضربت عليهم الذلة لدافعوا المنايا مكاثرة، وغالبوا السيوف مصابرة، وهم طوائف مختلفو الألسنة والألوان، وإن قيل: إنهم أناسي فإن صورهم صور الجان، ومنهم طائفة استشعرت حبس نفوسها، وفحصت الشعر عن أوساط رءوسها، وتوحشت بالرهبانية حتى ارتاعت العيون من أشكالها ولبوسها.

ولما رأوا طليعة الإسلام داخلة عليهم أعلنوا بالجؤار٢، واصطرخوا جميعًا كما يصطرخون غدا في النار، وزادهم غيظا إلى غيظهم أنهم رأوا الصلاة قائمة، وقد صار الناقوس أذانا، وكلمة الكفر إيمانا، وأقيمت الجمعة، وهي أول جمعة حظي الأقصى بمشهدها، وحضرتها الأمة الإسلامية بأحمرها وأسودها، فمن باك بدمعة سروره الباردة، ومن مجيل نظره في نعمة الله الواردة، ومن شاكر للزمن الذي أبقاه إلى يومه هذا الذي كل الأيام له حاسدة، من كان ولده تقدم قبله أو بعده فكأنه لم يولد، وكانت هذه الجمعة في رابع شعبان، وهو الشهر الذي جعله الله طليعة لشهر الصيام، وليلة نصفه هي الليلة المعروفة بإحياء قيامها إلى حين وفاة شخص الظلام، والتي يغفر فيها لأكثر من شعر غنم كلب من ذوي الذنوب والآثام.


١ النجامة عمل المنجم، والمتنجم والنجام من ينظر في النجوم بحسب مواقيتها وسيرها.
٢ الجؤار رفع الصوت بالدعاء، والتضرع، والاستغاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>