للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالعبادة والإخلاص في دينه، والثاني إخبار بأنه يخص الله وحده دون غيره بعبادته, مخلصا له دينه، ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة في الثاني، وأخره في الأول؛ لأن الكلام أولًا وقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانيا فيمن يفعل الفعل من أجله، ولذلك رتب عليه {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} .

وعليه ورد قوله تعالى:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ١.

وظاهر الأول والثاني أنهما سواء في المعنى، وليس كذلك؛ لأن الثاني فيه تخصيص غير موجود في الأول، ألا ترى أنا إذا قلنا: "زيد الأفضل"، وقلنا: "الأفضل زيد"، كان في الثاني تخصيص له بالفضل، وهذا التخصيص لا يوجد في القول الأول الذي هو "زيد الأفضل"، ويجوز أن تبدل صفة الفضل فيه بغيرها أو بضدها، فيقال: "زيد الأجمل"، أو "زيد الأنقص"، وإذا قلنا: "الأفضل زيد"، وجب تخصيصه بالنفس، ولم يمكن تغيير عنه.

وكذلك يجري الحكم في هذه الآيات، فإن الله تعالى قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ثم قال: {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} فوصفهم بالامتناع عن الذهاب إلا بإذنه، وهذه صفة يجوز أن تبدل بغيرها


١ سورة النور: الآية: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>