للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكرر"الرحمن الرحيم" مرتين, والفائدة في ذلك أن الأول يتعلق بأمر الدنيا، والثاني بأمر الآخرة.

فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع إلى خلق العالمين في كونه خلق كلا منهم على أكمل صفة, وأعطاه جميع ما يحتاج إليه حتى البقة والذباب، وقد يرجع إلى غير الخلق كإدرار الأرزاق وغيرها.

وأما ما يتعلق بأمر الآخرة فهو إشارة إلى الرحمة الثانية في يوم القيامة الذي هو يوم الدين.

وبالجملة فاعلم أنه ليس في القرآن مكرر لا فائدة في تكريره، فإن رأيت شيئا منه تكرر من حيث الظاهر فأنعم نظرك فيه، فانظر إلى سوابقه ولواحقه، لتنكشف لك الفائدة منه.

ومما ورد في القرآن الكريم مكررا قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ١.

فكرر قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ٢ ليؤكده عندهم, ويقرره في نفوسهم، مع تعليق كل واحد منهما بعلة، فجعل علة الأول كونه أمينا فيما بينهم، وجعل علة الثاني حسم طمعه فيهم، وخلوه من الأغراض فيما يدعوهم إليه.


١ سورة الشعراء: الآيات ١٠٥-١١٠.
٢ زيادة عن الأصل يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>