وهذا مثال ضربه للكناية على المباضعة، وهو مثال للتعريض١.
ووجدت في كتاب التذكرة لابن حمدون البغدادي وكان مشارا إليه عندهم بفضيلة ومعرفة، لا سيما فن الكتابة، فوجدت في كتابه بابا مقصورا على ذكر الكناية والتعريض، وما قيل فيهما نظما ونثرا، وهو محشو بالخلط بين هذين القسمين من غير فصل بينهما، وقد أورد أيضًا في بعضه أمثلة غثة باردة.
وسأذكر ما عندي في الفرق بينهما، وأميز أحدهما عن الآخر، ليعرف كل منهما على انفراده، فأقول:
الكناية:
أما الكناية فقد حدت بحد، فقيل: هي اللفظ الدال على الشيء على غير الوضع الحقيقي, بوصف جامع بين الكناية والمكنى عنه، كاللمس والجماع، فإن الجماع اسم موضوع حقيقي, واللمس كناية عنه، وبينهما الوصف الجامع، إذ الجماع لمس وزيادة، فكان دالا عليه بالوضع المجازي.
وهذا الحد فاسد؛ لأنه يجوز أن يكون حدا للتشبيه، فإن التشبيه هو اللفظ الدال على غير الوضع الحقيقي لجامع بين المشبه والمشبه به وصفة من الأوصاف، ألا ترى أنا إذا قلنا: زيد أسد، كان ذلك لفظا دالا على غير الوضح الحقيقي، بوصف جامع بين زيد والأسد، وذلك الوصف هو الشجاعة, ومن ههنا وقع الغلط لمن أشرت إليه في الذي ذكره في حد الكناية.
١ قال ابن سنان الخفاجى: ومن هذا الجنس حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه في الموضع الذي لا يحسن فيه التصريح، وذلك أصل من أصول الفصاحة، وشرط من شروط البلاغة, إلى أن قال. ومما يستحسن من الكنايات قول امرئ القيس "البيت" لأنه كنى عن المباضعة بأحسن ما يكون من العبارة "سر الفصاحة ١٥٦".