للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس قصده ههنا الشعر، بل قصده ما جرى لهم في هذا الموضع من الظهور عليهم والغلبة، إلا أنه لم يذكر ذلك بل ذكر الشعر، وجعله تعريضا لما قصده: أي لا تفخروا بعد تلك الواقعة التي جرت لكم ولنا بذلك المكان.

ومن أحسن التعريضات ما كتبه عمرو بن مسعدة الكاتب إلى المأمون في أمر بعض أصحابه، وهو: "أما بعد، فقد استشفع بي فلان إلى أمير المؤمنين، ليتطول في إلحاقه بنظرائه من الخاصة، فأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك تعدي طاعته".

فوقع المأمون في ظهر كتابه: "قد عرفت تصريحك وتعريضك لنفسك، وقد أجبناك إليهما"١.

واعلم أن هذين القسمين من الكناية والتعريض قد وردا في غير اللغة العربية، ووجدتهما في اللغة السريانية، فإن الإنجيل الذي في أيدي النصارى قد أتى منهما بالكثير.

ومما وجدته من الكناية في لغة الفرس: أنه كان رجل من أساورة٢ كسرى وخواصه, فقيل له: إن الملك يختلف إلى امرأتك، فهجرها لذلك، وترك فراشها، فأخبرت كسرى، فدعاه وقال له: قد بلغني أن لك عينا عذبة وأنك لا تشرب منها، فما سبب ذلك? قال: أيها الملك، بلغني أن الأسد يردها فخفته، فاستحسن كسرى منه هذا الكلام وأسنى عطاءه.


١ في الصناعتين نص هذه الرسالة مع تغيير ٣٦٨.
٢ الأساورة: جمع أسوار بضم الهمزة وكسرها وهو القائد من الفرس أو هو الفارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>