للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امرأة وقفت على قيس بن عبادة فقالت: "أشكو إليك قلة الفأر في بيتي" فقال: ما أحسن ما ورت عن حاجتها، املئوا لها بيتها خبزا وسمنا ولحما.

ومن خفي التعريض وغامضه ما ورد في الحديث الشريف، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن أحد ابني بنته، وهو يقول: "والله إنكم لتجبنون وتبخلون وتجهلون، وإنكم من ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بوج" ١.

اعلم أن وجا واد بالطائف, والمراد به غزوة حنين، وحنين: واد قبل وج؛ لأن غزوة حنين آخر غزوة أوقع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين، وأما غزوتا الطائف وتبوك اللتان كانتا بعد حنين فلم يكن فيهما وطأة، أي: قتال، وإنما كانتا مجرد خروج إلى الغزو من غير ملاقاة عدو ولا قتال.

ووجه عطف هذا الكلام وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن آخر وطأة وطئها الله بوج" على ما قبله من الحديث هو التأسف على مفارقة أولاده لقرب وفاته؛ لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان، ووفاته صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وبينهما سنتان ونصف، فكأنه قال: وإنكم من ريحان الله أي: من رزقه، وأنا مفارقكم عن قريب، إلا أنه صانع عن قوله: وأنا مفارقكم عن قريب بقوله: "وإن آخر وطأة وطئها الله بوج " وكان ذلك تعريضا بما أراده وقصده من قرب وفاته صلى الله عليه وسلم.

ومما ورد في هذا الباب شعرا قول الشميذر الحارثي:

بني عمنا لا تذكروا الشعر بعدما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا٢


١ اسم واد بالطائف لا بلد به ومنه، "آخر وطأة وطئها الله بوج" يريد غزوة حنين لا الطائف "القاموس المحيط مادة وج".
٢ الصواب الشميذر وكانت بالأصل الشميرد. ورد الشعر في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي "١/ ١٢٤" وللتبريزي "١/ ٦١".
الغمير على وزن زبير موضع قرب ذات عرق وموضع بديار بني كلاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>