للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مروان بن الحكم واليا على المدينة من قبل معاوية فعزله, فلما قدم عليه قال له: عزلتك لثلاث لو لم تكن إلا واحدة منهن لأوجبت عزلك: إحداهن أني أمرتك على عبد الله بن عامر وبينكما ما بينكما فلم تستطع أن تشتفي منه، والثانية كراهتك أمر زياد، والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على زوجها عمر بن عثمان فلم تعدها.

فقال له مروان: أما عبد الله بن عامر فإني لا أنتصر منه في سلطاني، ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موضعه، وأما كراهتي أمر زياد فإن سائر بني أمية كرهوه، وأما استعداء رملة على عمر بن عثمان فوالله إنه لتأتي على سنة وأكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا، يريد بذلك أن رملة بنت معاوية إنما استعدت لطلب الجماع، فقال له معاوية: يابن الوزغ١ لست هناك، فقال له مروان: هو ذاك، وهذا من التعريضات اللطيفة.

ومثله في اللطافة ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذاك أنه كان يخطب يوم جمعة، فدخل عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال له عمر: أية ساعة هذه? فقال عثمان: يا أمير المؤمنين انقلبت من أمر السوق فسمعت النداء، فما زدت على أن توضأت، فقال عمر: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل٢.

فقوله: "أية ساعة هذه" تعريض بالإنكار عليه لتأخره عن المجيء إلى الصلاة وترك السبق إليها، وهو من التعريض المعرب عن الأدب.

ووقفت في كتاب العقد٣ على حكاية تعريضية حسنة الموقع، هي أن


١ الوزغ: الرجل الفاسد المريض الفسل. والوزغة محركة سام أبرص جمعها وزغ.
٢ في الصناعتين ١٦ ذكر لهذا الحوار موجز, وفي نهايته: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى الجمعة فليغتسل".
٣ العقد الفريد لابن عبد ربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>