للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحن إلى ما تضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما في ضمان المآزر١

وأمثال هذا كثير، وفيما ذكرناه من هذين المثالين مقنع.

وأما التعريض فقد سبق الإعلام به، وعرفناك الفرق بينه وبين الكناية, فما جاء منه قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} ٢, وغرض إبراهيم عليه السلام من هذا الكلام إقامة الحجة عليهم؛ لأنه قال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} وذلك على سبيل الاستهزاء، وهذا من رموز الكلام، والقول فيه أن قصد إبراهيم عليه السلام لم يرد به نسبة الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقديره لنفسه وإثباته على أسلوب تعريض يبلغ فيه غرضه من إلزام الحجة عليهم والاستهزاء بهم، وقد يقال في هذا غير ما أشرت إليه، وهو أن كبير الأصنام غضب أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها، وغرض إبراهيم عليه السلام من ذلك أنه لا يجوز أن يعبد مع الله تعالى من هو دونه، فإن من هو دونه مخلوق من مخلوقاته، فجعل إحالة القول إلى كبير الأصنام مثالا لما أراده.

ومن هذا القسم أيضًا قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ٣ فقوله: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} تعريض بأنهم أحق بالنبوة، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هب أنك واحد من الملأ ومواز لهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم بها? ألا ترى إلى قولهم: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} .


١ من قصيدته في مدح أبي سعيد بن خلف التي مطلعها:
بغير شفيع نال عفو المقادر ... أخو الجد لا مستنصرا بالمعاذر
وفي الديوان "يحن" بدلا من "أحن" ويصدف بدلا من أصدف "الديوان ٣٤٣"
٢ الأنبياء: ٦٣.
٣ هود: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>