للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا من سوء الكناية ما لا خفاء به، فإن الوهم يسبق في هذا الموضع إلى ما يقبح ذكره، وهذا المعنى أخذه من قول الفرزدق فمسخه وشوه صورته، فإن الفرزدق رثى امرأته فقال:

وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث إليه البواكيا

وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أمهلته لياليا١

وهذا حسن بديع في معناه، وما كني عن امرأة ماتت بجمع٢ أحسن من هذه الكناية ولا أفخم شأنا، فجاء الشريف الرضي فأخذ معناها وفعل به ما ترى، وليس كل من تصرف في المعاني أحسن في تصريفها، وأبقى هذه الرموز في تأليفها.

وقد عكس هذه القصة مع أبي الطيب المتنبي فأحسن فيما أساء به أبو الطيب طريق الكناية فأخطأ حيث قال:

إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها٣

وهذه كناية عن النزاهة والعفة، إلا أن الفجور أحسن منها.

وقد أخذ الشريف الرضي هذا المعنى فأبرزه في أحسن صورة حيث قال:


١ البيتان في الديوان هكذا:
وغمد سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن الليالي أنسأته لياليا
"الديوان ٢/ ٨٩٤".
٢ ماتت المرأة بجمع: مثلثة أن عذراء أو حاملا أو مثقلة والمراد هنا أنها حامل.
٣ من قصيدته في مدح أبي أيوب أحمد بن عمران "الديوان ١/ ٢٥٥" وقد ذكره أبو هلال في الصناعتين وعابه ٣٧٥. قال الصاحب بن عباد: كان الشعراء يصفون المآزر تنزيها لألفاظها عما يستشنع، حتى تخطى هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح، وكثير من العهر أحسن عندي من هذا العفاف. واعتذر بعضهم عن المتنبي بأنه قال: سرابيلاتها، جمع سربال وهو القميص، وكذا رواه الخوارزمي، يريد أنه مع حبه لوجههن يعف عن أبدانهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>