للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن رقاب الناس قالت لسيفه ... رفيقك قيسي وأنت يماني١

فإن شبيبا الخارجي الذي خرج على كافور الإخشيدي، وقصد دمشق وحاصرها، وقتل على حصارها، كان من قيس، ولم تزل بين قيس واليمن عداوات وحروب، وأخبار ذلك مشهورة.

والسيف يقال له يماني في نسبته إلى اليمن، ومراد المتنبي من هذا البيت أن شبيبا لما قتل وفارق السيف كفه فكأن الناس قالوا لسيفه: أنت يماني وصاحبك قيسي، ولهذا جانبه السيف وفارقه, وهذه مغالطة حسنة, وهي كالأولى إلا أنها أدق وأغمض.

وكذلك ورد قول بعضهم من أبيات يهجو بها شاعرا، فجاء من جملتها قوله:

وخلطتم بعض القرآن ببعضه ... فجعلتم الشعراء في الأنعام

ومعنى هذا أن الشعراء اسم سورة من القرآن الكريم, والأنعام اسم سورة أيضا، والشعراء جمع شاعر، والأنعام ما كان من الإبل والبقر. وكذلك ورد قول بعض العراقيين يهجو رجلا كان على مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه:

من مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي لديه الرسائل


١ من قصيدته في مدح كافور الإخشيدي بعد قتل شبيب العقيلي بدمشق سنة ٣٤٨ لما خرج عليه. "الديوان ٤/ ٤٧٢".
كان شبيب من القرامطه، وكانوا مع سيف الدولة، وتولى شبيب معرة النعمان دهرا طويلا، ثم اجتمع إليه جماعة من العرب فوق عشرة آلاف، وأراد أن يخرج على كافور، وقصد دمشق فحاصرها، فيقال إن امرأة ألقت عليه رحى فصرعته فانهزم من كانوا معه، ويقال إنه حدث به صرع من الخمر فتركه أصحابه ومضوا فأخذه أهل دمشق وقتلوه.
قيس: من قيس العدنانية. يماني: من اليمانية.
وكان بين هؤلاء وأولئك شقاق وتنازع واختلاف، يقول: كأن رقاب الناس أغرت بينه وبين سيفه لكثرة قطعه إياها، فقالت لسيفه: إن شبيبا الذي يصاحبك قيسي وأنت يمني، والسيوف الجيدة تنسب إلى اليمن، ففارقه سيفه لما عرف أنه مخالف له في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>