ومما يجري هذا المجرى ما ذكرته في وصف شخص بمعالي الأمور، وهو:"من أبر مساعيه أنه حاز قفل المكرمات ومفتاحها، فإذا سئل منقبة كان مناعها, وإذا سئل موهبة كان مناحها، وأحسن أثرا من ذلك أنه أخذ بأعنة الصعاب وألان جماحها، فإذا شهد حومة حرب كان منصورها, وإذا لقي مهجة خطب كان سفاحها".
والمغالطة في هذا الكلام في ذكر المنصور والسفاح، فإنهما لقب خليفتين من بني العباس، والسفاح أول خلفائهم، والمنصور أخوه الذي ولي الخلافة من بعده، وهما أيضًا من النصر في حومة الحرب, والسفح الذي هو الإراقة، والمهجة دم القلب، فكأني قلت: هو منصور في حومة الحرب، ومريق لدم الخطوب، وقد اجتمع في هذا الكلام المنصور والمنصور، والسفاح والسفاح، وهذا من المغالطة المثلية لا من النقيضية، ولا خفاء بما فيها من الحسن.
ومن ذلك ما كتبته في كتاب إلى بعض الإخوان، فقلت:"وقد علمت أن ذلك الأنس بقربه يعقب إيحاشا، وأن تلك النهلة من لقائه تجعل الأكباد عطاشا، فإن شيمة الدهر أن يبدل الصفو كدرا، ويوسع أيام عقوقه طولا, وأيام بره قصرا، وما أقول إلا أنه شعر بتلك المسرة المسروقة فأقام عليها حد القطع، ورأى العيش فيها خفضا فأزاله بعامل الرفع".
والمغالطة في هذا الكلام هي في ذكر الخفض والرفع، فإن الخفض هو سعة العيش، والخفض هو أحد العوامل النحوية، والرفع: هو من قولنا رفعت الشيء، إذا أزلته، والرفع هو أحد العوامل النحوية أيضا، وهذا من المغالطات الخفية.
ومن ذلك ما كتبته في فصل أصف فيه الحمى، وكنت إذ ذاك بحصن سميساط، وهو بلد من بلاد الأرمن، فقلت: "ومما أكره في حال المرض بهذه الأرض أن الحمى خيمت بها فاستقرت، ولم تقنع بأهلها حتى سرت إلى تربتها, فترى