للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذتها النافض١ فاقشعرت، ولم يشكل أمرها إلا لأنها حمى أرمنية مستعجمة اللسان، وقد تشتبه الأمراض وأهل بلادها في الإبان، وإذا كانت الحمى كافرة لم تزل للمسلم حربا، وشكاتها لا تسمى شكاة, وإنما تسمى طعنا وضربا، ولهذا صارت الأدوية في علاجها ليست بأدوية، وأصبحت أيام نحرها في الناس غير مبتدأة بأيام تروية، وليس موسمها في فصل معلوم بل كل فصول العام من مواسمها، ولو كاتبتها نصيبين أو ميا فارقين بكتاب لترجمته بعبدها وخادمها".

والمغالطة ههنا في قولي: وأصبحت أيام نحرها في الناس غير مبتدأة بأيام تروية. والمراد بذلك أنها تقبل بغتة من غير ترو أي: من غير تلبث، ويوم النحرهو يوم عيد الأضحى، وقبله يوم يسمى يوم التروية، فالمغالطة حصلت بين نحر الحمى للناس ونحر الضحايا، إلا أن يوم النحر مبتدأ بيوم التروية، ولا خفاء بما في هذه المغالطة من الحسن واللطافة.

وأما القسم الآخر وهو النقيض فإنه أقل استعمالا من القسم الذي قبله؛ لأنه لا يتهيأ استعماله كثيرا.

فمن جملته ما ورد شعرا لبعضهم، وهو قوله:

وما أشياء تشريها بمال ... فإن نفقت فأكسد ما تكون

يقال: نفقت السلعة إذا راجت، وكان لها سوق، ونفقت الدابة إذا ماتت، وموضع المناقضة ههنا في قوله: إنها إذا نفقت كسدت، فجاء بالشيء ونقيضه، وجعل هذا سببا لهذا، وذلك من المغالطة الحسنة.

ومن ذلك ما كتبته في جملة كتاب إلى ديوان الخلافة يتضمن فتوح بلد من


١ النافض: حمى الرعدة مذكر. يقال أخذته حمى بنافض وحمى نافض، ونفضته الحمى فهو منفوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>