بلاد الكفار، فقلت في آخر الكتاب: وقد ارتاد الخادم من يبلغ عنه مشاريح هذه الوقائع التي اختصرها، ويمثل صورها لمن غاب عنها كما تمثلت لمن حضرها، ويكون مكانه من النباهة كريما كمكانها، وهي عرائس المساعي فأحسن الناس بيانًا مؤهل لإبداع حسانها، والسائر بها فلان, وهو راوي أخبار نصرها التي صحتها في تجريح الرجال، وعوالي إسنادها مأخوذة من طرف العوال، والليالي والأيام لها رواة, فما الظن برواية الأيام والليال.
وفي هذا الفصل مغالطة نقيضية، ومغالطة مثلية، أما المغالطة المثلية فهي في قولي:"وعوالي إسنادها مأخوذة من طرف العوالي" وقد تقدم الكلام على هذا وما يجري مجراه في القسم الأول، وأما المغالطة النقيضية فهي قولي:"وهو راوي أخبار نصرها التي صحتها في تجريح الرجال" وموضع المغالطة منه أنه يقال في رواة الأخبار: فلان عدل صحيح الرواية، وفلان مجروح: أي سقيم الرواية, غير موثوق به، فأتيت بهذا المعنى على وجه النقيض، فقلت صحة أخبار هذه الفتوح في تجريح الرجل أي: تجريحهم في الحرب، وفي هذا من الحسن ما لا خفاء به.
وقد أوردت من هذه الأمثلة ما فيه كفاية ومقنع.
فإن قيل: إن الضرب الأول من هذا النوع هو التجنيس الذي لفظه واحد ومعناه مختلف كالمثال الذي مثلته, وفي قول أبي الطيب المتنبي ثعلب ووجار، فإن الثعلب هو الحيوان المعروف، وهو أيضًا طرف السنان وكذلك باقي الأمثلة, قلت في الجواب إن الفرق بين هذين النوعين ظاهر، وذاك أن التجنيس يذكر فيه اللفظ الواحد مرتين، فهو يستوي في الصورة ويختلف في المعنى، كقول أبي تمام:
بكل فتى ضرب يعرض للقنا ... محيا محلى حليه الطعن والضرب١
١ من قصيدته في مدح خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني "الديوان ١/ ١٩٩" المحيا: الوجه.