"أيحل للصائم أن يأكل نهارا"١ والنهار: من الأسماء المشتركة بين النهار الذي هو ضد الليل وبين فرخ الحبارى، فإنه يسمى نهارا، وإذا كان من الأسماء المشتركة صار من باب المغالطات المعنوية، لا من باب الأحاجي، والألغاز شيء منفصل عن ذلك كله، ولو كان من جملته لما قيل لغز وأحجية، وإنما قيل كناية، وتعريض، ومنه ما يطلق عليه المغالطة، ومنه شيء آخر خارج عن ذلك فجعل لغزا وأحجية.
وكنت قدمت القول بأن الكناية هي اللفظ الدال على جانب الحقيقة وعلى جانب المجاز، فهو يحمل عليهما معا، وأن التعريض هو ما يفهم من عرض اللفظ لا من دلالته عليه حقيقة ولا مجازا، وأن المغالطة هي التي تطلق ويراد بها شيئان: أحدهما دلالة اللفظ على معنيين بالاشتراك الوضعي، والآخر دلالة اللفظ على المعنى ونقيضه. وأما اللغز والأحجية فإنهما شيء واحد، وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر، لا بدلالة اللفظ عليه حقيقة ومجازا، ولا يفهم من عرضه؛ لأن قول القائل في الضرس:
ما إن رأيت له شخصا فمذ وقعت ... عيني عليه افترقنا فرقة الأبد
لا يدل على أنه الضرس، لا من طريق الحقيقة ولا من طريق المجاز ولا من
١ المقامة الثانية والثلاثون، فيها مائة مسألة فقهية ملغزة، منها: أيجوز للمعذور أن يفطر في شهر رمضان، قال: ما رخص فيه إلا للصبيان. قال: فهل للمعرس أن يأكل فيه، قال: نعم بملء فيه. المعذور: المتبادر أن المعذور من أصابه عذر يحل له الفطر وهو أيضا المختون فلا يسوغ له الفطر، وهنا تورية. المعرس: من دخل بعرسه، وهو لا يجوز له أن يفطر, وهو أيضا المسافر الذي ينزل في آخر ليلة ليستريح ثم يرتحل، وهو ممن يباح لهم الفطر.