للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغني أن بعض الناس سمع هذه الأبيات، فقال: قد دخلت السوق فما رأيت على الأمشاط شيئا، وظن أنها الأمشاط التي يرجل بها الشعر، وأن السوق سوق البيع والشراء.

واعلم أنه قد يأتي من هذا النوع ما هو ضروب وألوان، فمنه الحسن الذي أوردت شيئا منه كما تراه، ومنه المتوسط الذي هو دونه في الدرجة، فلا يوصف بحسن ولا قبح، كقول بعضهم:

راحت ركائبهم وفي أكوارها ... ألفان من عم الأثيل الواعد

ما إن رأيت ولا سمعت بأركب ... حملت حدائق كالظلام الراكد١

وهذا يصف قوما وفدوا على ملك من الملوك فأعطاهم نخلا، وكتب لهم بها كتابا، والأثيل: الموضع الذي كتب لهم إليه، والعم: العظام الرءوس من النخيل، والواعد: الأقناء٢ من النخل، فلما حملوا الكتب في أكوارهم فكأنهم حملوا النخل، وهذا من متوسط الألغاز.

وقد جاء من ذلك ما هو بشع بارد، فلا يستخرج إلا بمسائل الجبر والمقابلة، أو بخطوط الرمل من القبض الداخل أو القبض الخارج والبياض والحمرة وغيرها، ولئن كان معناه دقيقا يدل على فرط الذكاء فإني لا أعده من اللغة العربية، فضلا عن أن يوصف بصفات الكلام المحمودة, ولا فرق بينه وبين لغة الفرس والروم وغيرهما من اللغات في عدم الفهم.

وأما ما ورد من الألغاز نثرا فقد ألغز الحريري في مقاماته ألغازا ضمنها ذكر


١ كان البيت الثاني "
ما إن رأيت ولا بأركب هكذا
فرجحنا تصحيحه ليستقيم المعنى، وأغلب الظن أن كلمة "هكذا" مقحمة لما وجد الناسخ أن في الشطر كلمة ناقصة
ما إن رأيت ولا سمعت
فلما لم يجد كلمة "بأركب" كتب: هكذا.
٢ جمع قنو بكسر القاف وضمها الكباسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>