الحلة انشقت، وأما قولها: إن وعاءيكم نضبا, فإن النحيين نقصا، ثم قال للعبد: اصدقني، فقال له: إني نزلت بماء من مياه العرب، وفعلت كذا وكذا.
فهذا وأمثاله قد ورد عنهم إلا أنه يسير.
وكذلك يروى عن شن بن أفصى، وكان ألزم نفسه ألا يتزوج إلا امرأة تلائمه، فصاحبه رجل في بعض أسفاره، فلما أخذ منهما السير قال له شن: أتحملني أم أحملك? فقال له الرجل: يا جاهل، هل يحمل الراكب راكبا? فأمسك عنه، وسارا حتى أتيا على زرع، فقال شن: أترى هذا الزرع قد أكل? فقال له: يا جاهل، أما تراه في سنبله، فأمسك عنه.
ثم سارا, فاستقبلتهما جنازة، فقال شن: أترى صاحبها حيا? فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك, أتراهم حملوا إلى القبر حيا?
ثم إنهما وصلا إلى قرية الرجل، فسار به إلى بيته، وكانت له بنت، فأخذ يطرفها بحديث رفيقه، فقالت ما نطق إلا بالصواب، ولا استفهم إلا عما يستفهم عن مثله، أما قوله: أتحملني أم أحملك, فإنه أراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع الطريق بالحديث.
وأما قوله: أترى هذا الزرع قد أكل, فإنه أراد هل استلف ربه ثمنه أم لا؟ وأما استفهامه عن صاحب الجنازة فإنه أراد هل خلف له عقبا يحيا بذكره أم لا؟ فلما سمع كلام ابنته خرج إلى شن وحدثه بتأويلها, فخطبها فزوجه إياها.
وأدق من هذا كله وألطف ما يحكى عن رجل من المناقذة أصحاب شيرز وهو أولهم الذي استنقذه من أيدي الروم بالمكر والخديعة، ولذلك قصة طريفة وليس هذا موضع ذكرها، وكان قبل ملكه في خدمة محمود بن صالح صاحب حلب، وكان إذ ذاك يلقب بسديد الملك، فنبا به مكانه، وحدثت له حادثة أوجبت له أن هرب ومضى إلى مدينة طرابلس١ في زمن بني عمار أصحاب
١ بلد بالشام، بفتح الطاء وضم الباء واللام. وكانت في الأصل ترابلس.