إن حارت الألباب كيف تقول ... في ذا المقام فعذرها مقبول
سامح بفضلك مادحيك فما لهم ... أبدا إلى ما تستحق سبيل
إن كان لا يرضيك إلا محسن ... فالمحسنون إذًا لديك قليل
فإن هذا الشاعر ارتجل المديح من أول القصيدة فأتى به كما ترى حسنا لائقا.
وأما إذا كان القصيد في حادثة من الحوادث كفتح معقل١ أو هزيمة جيش أو غير ذلك، فإنه لا ينبغي أن يبدأ فيها بغزل، وإن فعل ذلك دل على ضعف قريحة الشاعر وقصوره عن الغاية، أو على جهله بوضع الكلام في مواضعه.
فإن قيل: إنك قلت: يجب على الشاعر كذا وكذا فلم ذلك?
قلت في الجواب: إن الغزل رقة محضة، والألفاظ التي تنظم في الحوادث المشار إليها من فحل الكلام ومتين القول، وهي ضد الغزل، وأيضا فإن الأسماع تكون متطلعة إلى ما يقال في تلك الحوادث والابتداء بالخوض في ذكرها لا الابتداء بالغزل, إذ المهم واجب التقديم.
ومن أدب هذا النوع ألا يذكر الشاعر في افتتاح قصيدة بالمديح ما يتطير منه، وهذا يرجع إلى أدب النفس، لا إلى أدب الدرس، فينبغي أن يحترز منه في مواضعه، كوصف الديار بالدثور والمنازل بالعفاء، وغير ذلك من تشتت الآلاف وذم الزمان, لا سيما إذا كان في التهاني، فإنه يكون أشد قبحا، وإنما يستعمل ذلك في الخطوب النازلة والنوائب الحادثة، ومتى كان الكلام في المديح مفتتحا بشيء من ذلك تطير منه سامعه.