للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقاه، ويسر لي إلقاء العصا بملقاه، فعطرت الطريق التي سايرتها، والريح التي جاورتها، فأفرشتها خدي، وضممت عليها ودي، وجعلتها ردنا١ لجيبي ولطيمة لردني, وسخابا٢ لعقدي، وعلمت أنها ليست بنفحة طيب، ولكنها كتاب حبيب، فإن مناشق الأرواح غير مناشق الأجسام، ولا يستوي عرف الطيب وعرف الأقلام، ثم مددت يدي إلى الكتاب بعد أن صافحت يد موصله، كما صافحت عبق مندله٣، وقلت أهلا بمن أدنى من الحبيب مزارا، وأهدى لعيني قرة ولقلبي قرارا".

وهذا في الغرابة كأخواته التي تقدمت, ولم أستقص ما اخترعته من هذا الباب في مطالع الكتب.

وأما ما أتيت فيه بالحسن من المعاني ولكنه غير مخترع، فمن ذلك مطلع كتاب كتبته عن الملك نور الدين أرسلان بن مسعود صاحب الموصل إلى الملك الأفضل علي بن يوسف يتضمن تعزية وتهنئة, أما التعزية فبوفاة أخيه الملك العزيز عثمان صاحب مصر، وأما التهنئة فبوراثة الملك من بعده، وهو: "لا يعلم القلم أينطق بلسان التعزية أم بلسان التهنئة، لكنه جمعهما جميعًا فأتى بهما على حكم التثنية، وفي مثل هذا الخطب يظل القلم حائرا، وقد وقف موقف السخط والرضا فسخط أولًا ثم رضي آخرا، وهذا البيت الناصري يتداول درجات العلى فما تمضي إلا وإليه ترجع، وشموسه وأقماره تتناقل مطالع السعود فما يغيب منها غائب إلا وآخر يطلع، والناس إن فجعوا بماجد, ردفه من بعده ماجد، وإن قيل إن الماضي كان واحدا


١ كانت في الأصل ردعا.
٢ السخاب على وزن كتاب قلادة من مسك "نوع من الطيب" وقرنفل ومجلب بلا جوهر.
٣ العبق: مصدر عبق الطيب إذا فاحت رائحته، وكانت في الأصل "عبقة" المندل: على وزن مقعد العود أو أجوده كالمندلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>