للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ، قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ، فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ١.

هذا كلام يسكر العقول، ويسحر الألباب، وفيه كفاية لطالب البلاغة، فإنه متى أنعم فيه نظره وتدبر أثناءه ومطاوي حكمته علم أن في ذلك غنى عن تصفح الكتب المؤلفة في هذا الفن، ألا ترى ما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين حين سألهم أولًا عما يعبدون سؤال مقرر لا سؤال مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم، فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تسمع، وعلى تقليد آبائهم الأقدمين فكسره, وأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة، ثم أراد الخروج من ذلك إلى ذكر الإله الذي لا تجب العبادة إلا له، ولا ينبغي الرجوع والإنابة إلا إليه، فصور المسألة في نفسه دونهم، بقوله: "فإنهم عدو لي" على معنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو وهو الشيطان، فاجتنبتها، وآثرت عبادة من الخير كله في يده، وأواهم بذلك أنها نصيحة ينصح بها نفسه، لينظروا فيقولوا: ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى القبول لقوله، وأبعث على الاستماع منه، ولو قال فإنهم عدو لكم لم يكن بتلك المثابة، فتخلص عند تصويره المسألة في نفسه إلى ذكر الله تعالى، فأجرى عليه تلك الصفات العظام من تفخيم


١ الشعراء ٦٩-١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>